ذكرنا من قبل أوجه الاختلاف بين الصداع المعتاد والصداع النصفي من ناحية، كما أوردنا صفة وطبيعة الصداع النصفي من ناحية أخرى، وهذان الأمران يجعلان من السهل تشخيص النصفي·
على أن المشكلة مع الصداع النصفي لا تكمن في تشخيصه بقدر ما تكمن في قلق المصاب بالصداع على صحته، واعتقاده بوجود مرض عضوي في المخ!، وهذا القلق كاف في حد ذاته لتوليد مزيد من نوبات الصداع النصفي، مما يجعل المريض يدور في حلقة مفرغة! لذا فإن من واجب الطبيب، ولمجرد تشخيص الصداع النصفي، أن يشرح للمريض طبيعة المرض، ويطمئنه إلى عدم ارتباط الصداع النصفي بأمراض المخ العضوية، أما اللجوء مباشرة إلى الفحوصات الكثيرةالمعقدة، مثل أشعة الجمجمة، والمسح بالكمبيوتر وغير ذلك، فإنه سيعمِّقُ شكوك المريض بوجود إصابة عضوية في الرأس! وليس معنى ذلك أن يستبعد الطبيب تماماً فكرة إجراء فحوصات في كل حالات الصداع النصفي، لكن ذلك معناه أنه يجب إجراء فحوصات حيثماكان لها مبرر كاف، مثال ذلك شكوى مريض من فقدان السمع إضافة إلى إصابته بالصداع النصفي·
أما العلاج فيتوقف على عوامل كثيرة، منها عمر المريض وظروفه الاجتماعية وأحواله النفسية، فضلاً عن مدى تعدد النوبات وطبيعة الألم المصاحب لكل نوبة، وطبيعي والحال كذلك أنْ يختلف العلاج في تفاصيله من شخص إلى آخر·
ينبني علاج الصداع النصفي على شقين: شق وقائي، وشق لعلاج النوبة وقت حدوثها، أما <العلاج الوقائي>، فيهدف إلى الحيلولة دون حدوث نوبات الصداع، ويكون وقت تعاطيه عند حدوث ظاهرة <النذير>، أو في ظروف معينة يعلم صاحبها أنها مؤدية في الغالب إلى نوبة صداع نصفي، ويتطلب هذا النوع من العلاج مراجعة طبيب، لاختيار أنسب الأدوية لشخص معين، وكذلك لإرشاد المريض إلى وقت وكيفية تعاطي الدواء·
أما علاج نوبة الصداع النصفي عند وقوعها، فيتلخص في أن يسترخي المصاب في غرفة معتمة <إذا أمكن> وأن يتعاطى الدواء الموصوف له لتسكين الصداع النصفي، في بعض الأحيان يشعر المريض براحة بعد القيء، لكنَّ ذلك لا يعني أن يحاول المريض إحداث القيء، بل يجب أن يترك الأحداث تأخذ سيرها الطبيعي، وفي أحيان أخرى يذهب الصداع لمجرد أن ينام المصاب ساعة أو ساعتين·
على أي حال، فإن مريض الصداع النصفي سرعان ما يتعلم التجربة ما الأشياء التي تؤدي إلى حدوث نوبة، وما أفضل طريقة لتقصير عمر النوب في حال حدوثها؟، وما أفضل مسكن لها؟، وتكون هذه الخبرة مفيدة ومثمرة إذا صاحبها توجيه طبي·
أخيراً، من الطريف أن نذكر أن ضحايا الصداع النصفي أناس يتصفون بالذكاء ولهم ميول فنية، وهم من الشخصيات المثابرة التي لا تضعف ولا تنهار بسهولة، فضلاً عن أنهم يهتمون بالنظافة وبالنظام إلى حد يكاد يكون مفرطاً!، فهل يكون الصداع النصفي ثمناً يدفعه الإنسان نتيجة تميّزه بهذه الصفات الجميلة