عِملاقٌ في داخلي
نور الجندلي
حقاً ! لكلّ منا عملاقٌ كبير يسكنه ، قد يميته الإنسان إذا غض الطرف عن سماعه ، وإذا لم يغذّيه بما يحتاج إليه ..
والعمالقة أنواع ، منها ما كان شراً كعملاق الشهرة وحب النفس والدنيا والمال .. فهذا يجب كبته كلما تطاول ، وقهره كلما جمح . فإنه وإن حقق سعادة مؤقتة في الدنيا ، فسيتقازم حتى يغدو مسخاً شنيعاً في الآخرة .
والعملاق الآخر هو عملاق الخير ، وأبناءه كثرٌ ، ينمّيه العبد الصالح في داخله ، فإذا كبر ملأ الدنيا خيراً بحسن عمله .
ولنا أن نستنتج من حياة الصحابة عبراً ، فقد كانوا عمالقة الدعوة والإيمان فنشروا في الأرض خيراً .
كيف أخرجُ العملاق الذي في داخلي ؟
بداية .. عليك أن تحدد هدفك ، وترسمه ، وتجسده أمام عينيك ، وليكن منك لجوء إلى الله تعالى كي يعين على تحقيقه .
في اللحظة التي تعرف فيها رسالتك وهدفك في الحياة تكون ولادة العملاق .
وبعدها تبدأ مرحلة النّمو ..
ينمو العملاقُ رويداً بكل خطوة تسيرها نحو تحقيق الهدف ، بجمع الزاد المناسب ، فطالب العلم ينمّي عملاقه بالبحث والسؤال واقتناء الكتب المفيدة والمراجع العامة التي تنفعه ، ثم يبدأ بخطوات أخرى عملية في طلب العلم ، وكلما سار خطوة ازدادت الثقة ، والرغبة بالوصول ، وعندها تقترب لحظة خروج العملاق ، ليملأ الحياة نوراً بنشر العلم الذي تعلمه .
والمربّي يعلم أن له رسالة عظيمة ، فيعززها بالاستشارة وقراءة الخبرات والتجارب ، وتدوين كل فائدة ، فيخرج عملاقه لحظة التطبيق ، وتربية النفوس وتنشئة أجيال رائعة الهدف والتوجه .
ولبناء العملاق في النفس قواعد كثيرة أهمها :
احتساب العمل والنّية لله تعالى .
المحافظة على علوّ الهمة والثبات عليها .
الصبر والجلد حتى يتحقق المقصود .
الإخلاص لله تعالى في القول والعمل .
فإن الغرور بما حققته قد يقتل كلّ خير زرعته في داخلك ، وقد يستحيل عملاقك وبالاً عليك ، ومصدر هلكة ، ولذلك على المؤمن أن يتذكر دائماً أنه ماوصل لهذا إلا بفضل من الله تعالى وتوفيق .
وأخيراً .. هي دعوة للتنقيب في داخل كلّ منا عن بذرة خير ، أو مكمن إبداع ، أو لمسة عطاء ، لتكون بداية إشراقة قلب مؤمن في سماء العطاء .