- 1 -
كم أحن الى ذلك المكان
وذاك الزمان
دارنا وحوشنا القديم
والبستان
المزروع بالكرمة والرمان
وبركة الماء مدلاة فوقها
عناقيد العنب كالؤ لؤ والمرجان
وترى الندى المقطر
منثور عى الأزهار والأقحوان
وأبي بيده الفأس يزرع
الورود والريحان
وأمي كانت تقف على
التنور تخبز الخبز
وتطعم الدجاج والصيصان
كم أحن الى ذاك البيت المملوء
بالمودة والحنان
-2 -
وعندما يأتي المساء
توقد أمي اللمبة والفانوس
ثم نتاول عشاءنا
ونجلس لنكتب الواجبات والدروس
ثم نلتف حول أمي وهي تخيط لنا
اثواب العيد
ولا زالت تحكي لنا حكاية
اخي احمد الشاب الشهيد
كم كانت أمي حزينة على
ولدها الفقيد
ونحن لا نبالي لحزنها
ونحلم بصباح العيد
وأخي الصغير ملقي على
البساط فرشته
ووسادته حذاءه الجديد
كان كل ما حولنا
مثلنا فرح سعيد
- 3 -
وأختى قبل ان تنام
كانت تضحك للقمر
وفي حضنها لعبتها الحلوة
ذات العينين الزرقاوتين
والشعر الأشقر
وأخي المجند مشغولا
باعداد حقيبة السفر
وبجانبي دفتري الوحيد
وقلم الرصاص وبيدي فرنكي الأصفر
أدخره للصباح لاشتري به
قطعة سكر
وعلى الجدرا ن كان
معلقا بارودة أبي والخنجر
وبضعا من صور
ورأس غزال كان مصنوعا من حجر
وسجادة نقشت عليها
ايات من الذكر
وخزانة صغيرة وضعت فيها
امي قطن وشاش وزجاجة
الدواء الأحمر
وكان يتسلل لغرفتنا
رائحة العسلية
والعشب الندي الأخضر
ونسمع أنغام حفيف أوراق الشجر
تتناغم مع صوت تساقط
حبات المطر
ثم ننام ونستيقظ
وقت السحر
على صوت امي
وهي جالسة على سجادتها
تدعو لنا بالصحة والظفر
وصوت المؤذن يهتف من
جامع البلدة حي على الصلاة
والله أكبر .. الله أكبر
كم أحن الى رائحة
ثوب أمي المعطر
وكوفية أبي البيضاء
المطرزة باللون الأحمر
وكم أحن الى رائحة
الخبز المقمر
المدهون بالزيت والزعتر
- 4 -
كم أحن الى تلك
الأزمان
وتلك الربوع وذلك المكان
والدار التي سكنت فبها
سوزان
الى مدرستي وصفي
وكرسي المعلم
المصنوع من خشب الخيزران
الى رفاق طفولتي اهلي والجيران
والشوارع والطرقات التي
كنا نسري بها في ليالي الصيف
نتحدث عن الأحبة والخلان
ونقص حكايات العفاريت والجان
وكان سكون الليل يحرك
فينا المشاعر والحنان
اه ...يا موطني
يا مسقط رأسي
يا أحلى وأجمل الأوطان
-5 -
في تلك الديار
كنا نمشي في حقول
القمح نأكل ( الخبيزة )
ونقطف الأزهار
ونجلس على العشب الأخضر
نكتب الأشعار
ونقص حكايات عشقنا
ونحلم بالمستقبل والأسفار
وبرحلة بعيدة يأخذنا بها القطار
كان يطيب لنا في ليل
اليعربية السهر
ويحلو المشوار
ومن مقصف المحطة كانت ام كلثوم
تشدو دليلي احتار
فتهتز مشاعرنا ونجلس من
جديد نحكي قصص حبنا
ونفشي الأسرار
واليوم كبرنا واصبحت
تلك المساكن
أطلال وقفار
وصرنا غرباء فيها
وزوار
وافترقنا ولم تعد تجمعنا
الا المصائب والأقدار
-6 -
هناك في اليعربية
كان لنا أحبة وذكريات
وفي حقول القمح كانت
لقاءاتنا والسهرات
وقد عذبنا الحب
حت تهنا في الحارات والطرقات
وعلى جذور الأشجار رحنا
نكتب اشعار الحب والكلمات
وكم ليلة قضيناها باللوعة والحسرات
والأهات
كل الصبايا هناك كنا جميلات
البيضاوات منهن والسمراوات
يمشين في الزروع كغزالات
شاردات .. حائرات
كانت التي أهواها فاتنة
تلكن الفاتنات
ذات قوام ممشوق كأنها فصلته
بكل المقاسات
ووجه مزهر فيه حمرة
كانه مرصع بالمجوهرات
مزقته عيون ناعسات ساحرات
هي من درسني العشق
وعلمني الهوى وحفظني
اشعار الحب والأغنيات
فباعدت بيننا الأيام
وبعدت بيننا المسافات
-7 -
هناك تعلمت الطيب والوفاء
ورضعتني أمي
حليب الكرم والسخاء
ما كان يعيبنا انا فقراء
وما اثر فينا الحرمان والشقاء
كنا مجتمعين في الضراء والسراء
وذا بكى واحد منا
ترانا لبكائه نجهش بالبكاء
واذا فرح احدنا ترانا
جميعا فرحين سعداء
- 8 -
وها أنا اليوم أقف
على قبور اخوتي
وأبي وأمي
اقرأ الفاتحة وياسين وفي
عيناي دمعة ومن فرط حزني
يكاد يجف دمي
ومن فوق التل الصغير
رحت أنظر لبلدتي
لعلي اجد بقايا من رسمي
أو جدارا كتبت عليه يوما اسمي
او اعثر على شجرة التوت
التي حفرت عليها قلبي
وقد مزقه السهم
أو مكانا مشت عليه
ذات يوم قدمي
أو أثرا لحبيب
لامني على حبه يوما قومي
أو ربما أعثر على قطعة من ثوب أمي
أو أحصل على عنقودا من ذالك الكرم
أو على رفيق صبا أو قريب
لعلي برؤياه انسى همي
وما وجدت من ذاك شيئا
حتى التي أحببتها صارت
كما الأشياء في طور الفناء والعدم
كأن الذي عشته هنا كان
ضربا من خيال او شيئا من الحلم
وكأني ما عشت يوما هنا
ولا مشت على تلك الأرض يوما قدمي
فرجعت أبكي الديار وأرثي
موت الوفاء والكرم
وصرت غريبا فلا الدار داري
ولا الأهل أهلي كأني من نسل
الفرس أو العجم
وزادني الأسى هما فوق همي
وزادني الشوق سقما فوق سقمي
.................................................. ..........
ملكة الحب والحنان
نــــاهـد